في أَمر الثّوْرة



 "وإذا كانت الحجج التي تدعو إلى الإقدام في حاجة إلى التتابع حتى تشتد وتقوى، فإن الحجج التي تدعو إلى الإحجام تنحدر في سهولة حتى يبلغ السلبية المطلقة. ذلك أن الدعوة إلى العمل الإيجابي أسهل على الداعي من الدعوة إلى التبصُّر، وإن كان حَمل الناس على الاستجابة إليها ساعة العمل أصعب. أما الدعوة إلى الإحجام فهي أصعب على الداعي وإن تكن أسهل على الناس تنفيذًا، والموقف الإيجابي يجعل النفس أكثر ارتياحًا، وفيه لذة نفسية تشتد عند النقاش، ومن هنا كانت الدعوة أسهل وأدعى إلى رضا الداعي والمدعوين.
والموقف السلبي يضع الداعي موضع الاتهام، والدعوة إليه تحتاج إلى شجاعة وإخلاص يذهب ببهجتهما أن التنفيذ لا يحتاج إلى شيء من الشجاعة.

والناس يختلف أمرهم ساعة الجدل فيما يجب عليهم عمله، عن أمرهم ساعة القيام بالعمل نفسه.. وقد يكون الداعي إلى الإقدام أقل الناس إقدامًا حين يجيء وقت العمل، ولا يكون ذلك منه جبنًا ولا سوء نية. وقد يكون الداعي إلى الإحجام أكثر الناس إقدامًا ولا يكون ذلك منه اقتناعًا بصواب ما يعمل، وإنما هي طبيعة الندوات حيث يجتمع الناس يبحثون أمرًا جدًا. هنالك يكون نصيب الرأي الذي يدعو إلى الإقدام- وإن كان خطأ- أن يغلب على الرأي الذي يدعو إلى الإحجام مهما يكن صوابًا. سواء أكان الداعون إلى الإقدام في طبعهم الإقدام عند العمل أم لم يكونوا. "


د.محمد كامل حسين.

No comments: