رنا التي لا تُحِب القَهوة

0 comments




"إن القهوة هي هذا الصمت الصباحي، الباكر، المتأني، والوحيد الذي تقف فيه، وحدك، مع ماء تختاره بكسل وعزلة، في سلام مبتكر مع النفس والأشياء، وتسكبه على مهل وعلى مهل في إناء نحاسي صغير داكن وسريّ اللمعان، أصفر مائل إلى البني، ثم تضعه على نار خفيفة.. آه لو كانت نار الحطب."

عندما يبدأ يومي بحروف قهوة درويش تحت قصف بيروت لابد أن أشتهيها، أذكّر نفسي.. أنا لا أًحبّها، ولم يعد هناك وقت لتأنّي صنع القهوة قبل نزولي إلى المستشفى. أتناسى رائحتها المنبعثة من ذاكرة درويش، يذكّرني اللون البني في ملابسي أنني لن أفعل، يهيأ لي أنني أشم رائحة البن مرافقة لي طول النهار حتى عُدت إلى البيت، بدّلت البني في ملابسي لتملأني رائحة القهوة من جديد في  إسكندرية\بيروت نرمين نزار، أقاوم اشتهائي للبن الذي لا أحب بالموسيقا، وعندما بدأتُ النسيان.. فجأة تغني عبير نعمة قهوة، فلا يبدو أنني سأفلت من الحصار البني قريبًا. أنظر إلى الساعة.. العاشرة، مستحيل إعداد قهوة غير مضمونة العواقب في هذا الوقت الليلي. ولا أحد في بيتنا من عاشقي القهوة.. سيبدو الوضع غريبًا.
------

"القهوة مكان. القهوة مسام تسرِّب الداخل إلى الخارج، وانفصال يوحد ما لا بتوحَد إلا فيها هي رائحة القهوة. هي ضد الفطام. ثدي يرضع الرجال بعيدًا. صباح مولود من مذاق مر، حليب الرجولة. والقهوة جغرافيا.."
أبَدّد الاحتياج الفجائي في المزيد من القراءة والموسيقا، والتسكّع من حجرة لحجرة.
 تقودني الرائحة الخيالية إلى قهوة شادي الأسبوع الماضي، أشاركه جنون القهوة اللحظي بمسج.. ليشاركني هو قهوته في الحسين في ذات اللحظة. وتمثُل أمامي هدايا الكتب والحكايات الممتدة لسنوات ماضية وابتسامة طيبة في الواقع لا يتقنها في الصوَر (ومن يحتاج ابتسامة صورة على أية حال إن كان يمتلك الأصل؟)
قهوته رفيقة "شيفتات" الامتياز، مقدار التيقّظ اللازم بالضبط ليكون شادي.. يقرأ.. يكتب.. يطبّب. و يرغي معي طبعًا.
------

"لأن القهوة، فنجان القهوة الأول، هي مرآة اليد. واليد التي تصنع القهوة تشيع نوعية النفس التي تحركها. وهكذا، فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح.. والساحرة الكاشفة لما يحمله النهار من أسرار."

بينما يخبرنا أحمد عن قوة الاسبريسو  وفي عينيه وَلَه وتوّحُد مع القهوة أمامه، أتخيّل قهوته ملازمة لنصوصه، كما أنها –لابد- رفيقة تلال الباطنة التي يستذكرها هذه الأيام. ربما لهذا يحب الاسبريسو بالذات..  القادرة على هزيمة الباطنة-مثلًا- بشطحات نصوص تزداد جمالًا. نوع القهوة الداحض لمظهر (ابن الناس الكويسين)  مع أول خدش لطبقة معرفته الأولية، ليظهر الساخر ذو الجنون المُحَبّب.

-----
" والقهوة لا تُشرب على عجل. القهوة أخت الوقت. تحتسى على مهل.. على مهل. القهوة صوت المذاق، صوت للرائحة. القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات."

أُقلّب الصَفحات بينما تتلاعب بي القهوة التي أقنع نفسي أنني لا أريدها ، ومازالت عبير تتغنى بها.

عندما تنتهي الموسيقا أترك الكتاب، أُبدّل بالقهوة بيبسي اليوم، ربما أتجرأ غدًا على إجابة رغبتي فيها.

-----

*المقاطع من كتاب (ذاكرة للنسيان) لمحمود درويش
أهداني إياه د. محمد إيهاب.



رنا
30 سبتمبر 2011

ماراح ازعل ع شي

2 comments

خبر: (أبجدية إبداع عفوي) مُتاح إلكترونيًا

0 comments


من هنــــــا
ممكن قراءته بصيغة الفلاش، وممكن تحميله.

عِنْدَما يَدهسنا القِطـار- إلى سـالي

0 comments



عزيزتي سالي:

بدأتها كلعبة لكني فكرت فيها جديًا، ماذا لو كتبت رسائل عني لأشخاص كثر؟ أًبعثرني في كل الاتجاهات كي لا يتبقى من حزني سوى ما يكفي فقط لشجن سبتمبر. تعرفين هذا الحنين.. حين تبدو رائحة الأقلام والكراسات الجديدة بعيدة كما لو كانت من عالَم آخر. أعرف أننا ننتمي إلى هذا العالم الهادئ، ربما في وقت ماض يشبه هذا الأيام كنا نفكّر في مقاس الرداء الكحليّ، وصديقات الدراسة اللاتي لم نرهن طول الإجازة.
ربما مررنا بجوار بعضنا-ولم نكُن قد تعرفنا- في يوم من تلك الأيام اللطيفة، حين يمتلئ الشارع الطويل بطالبات المدارس المُهذبات، لا نسمع سوى أصوات لهو راق يتخلله: "اورفوار".. أو "باي". وربما يعلو صوت السيارات في الازدحام لكنه لا ينتقص أبدًا من مهابة أسوار المدرسة. مدرستك أو مدرستي.

حين كنا معًا في يوم من أيام إبريل، كنت حزينة، مُحمّلة أكثر من طاقَتي، نتحدث أحيانًا ونحن نلتقط صورًا لمبنى الحزب المُحتَرق على النيل. وعَقلي في مكان آخر. كل الصور التي ظهرت فيها كَشَفَتني، الإرهاق والابتسامة الخفيفة والروح المغيّبة لا أعرف أين. تَعرفين هذه الحلقات الحديدية المُتَدلية من واجهة المبنى على النيــل، وتَذكرين كلام عمو بهي عن كونه استراحة أميرة من زمن ماضٍ، وقتَها فكّرت: رُبما كانت أميرة تعيسة.. مكبّلة، حتى النيــــل المكشُوف لشَمس العَصر الرَقيقة لَم يَكُن بَارِدًا على روحها، ربما كَانت مُحتَرقة مثل المبنى الآن.

أحيانًا أفكّر في الصوّر التي التقطناها لجسر القطار، في تلك اللحظة التي قررت فيها ألّا أعبُر إلى الجانب الآخر خوفًا من القطار القادم، ألّا أمُنَح من الوَقت ما يكفي لعبوري دون دَهسي، وماذا إن دَهَسَني، كيف يشعر من هو على وَشَك المَوت تحت قطار، هل يَمَنحه القادم فرصة ابتسامة أخيرة؟ يَموت أولًا و يتمزّق أم يَتَمَزّق حيًّا فيموت؟
ربما كنت سأحبّ المَوت في هذا المَكان، لكن ليس في هذا التَوقيت، تَعرفين هذه اللحظات التي تبدو مُكتَملة تمامًا فتُفاجئك، وكأَن الحياة لا يُمكن لها أن تَغدو أفضل، رغم أنكِ تُفكّرين في بداية انحدار مُنحنى الفَرح-فلابد له أن ينحدر- تَنجَحين في التركيز على هذه اللحظة الممتلئة.
لَم تكن ساعة الجسر ساعة امتلاء، كانت انحدارًا على انحدار سابق، ربما لهذا-فقط-لَم أعبُر أمام القطار.

انتهت الرسالة، و مَعذرة على الكآبة!

ملحوظة: الصّورة ضمن الصوّر التي التقطناها معًا.

رنا

4 سبتمبر 2011