عِنْدَما يَدهسنا القِطـار- إلى سـالي




عزيزتي سالي:

بدأتها كلعبة لكني فكرت فيها جديًا، ماذا لو كتبت رسائل عني لأشخاص كثر؟ أًبعثرني في كل الاتجاهات كي لا يتبقى من حزني سوى ما يكفي فقط لشجن سبتمبر. تعرفين هذا الحنين.. حين تبدو رائحة الأقلام والكراسات الجديدة بعيدة كما لو كانت من عالَم آخر. أعرف أننا ننتمي إلى هذا العالم الهادئ، ربما في وقت ماض يشبه هذا الأيام كنا نفكّر في مقاس الرداء الكحليّ، وصديقات الدراسة اللاتي لم نرهن طول الإجازة.
ربما مررنا بجوار بعضنا-ولم نكُن قد تعرفنا- في يوم من تلك الأيام اللطيفة، حين يمتلئ الشارع الطويل بطالبات المدارس المُهذبات، لا نسمع سوى أصوات لهو راق يتخلله: "اورفوار".. أو "باي". وربما يعلو صوت السيارات في الازدحام لكنه لا ينتقص أبدًا من مهابة أسوار المدرسة. مدرستك أو مدرستي.

حين كنا معًا في يوم من أيام إبريل، كنت حزينة، مُحمّلة أكثر من طاقَتي، نتحدث أحيانًا ونحن نلتقط صورًا لمبنى الحزب المُحتَرق على النيل. وعَقلي في مكان آخر. كل الصور التي ظهرت فيها كَشَفَتني، الإرهاق والابتسامة الخفيفة والروح المغيّبة لا أعرف أين. تَعرفين هذه الحلقات الحديدية المُتَدلية من واجهة المبنى على النيــل، وتَذكرين كلام عمو بهي عن كونه استراحة أميرة من زمن ماضٍ، وقتَها فكّرت: رُبما كانت أميرة تعيسة.. مكبّلة، حتى النيــــل المكشُوف لشَمس العَصر الرَقيقة لَم يَكُن بَارِدًا على روحها، ربما كَانت مُحتَرقة مثل المبنى الآن.

أحيانًا أفكّر في الصوّر التي التقطناها لجسر القطار، في تلك اللحظة التي قررت فيها ألّا أعبُر إلى الجانب الآخر خوفًا من القطار القادم، ألّا أمُنَح من الوَقت ما يكفي لعبوري دون دَهسي، وماذا إن دَهَسَني، كيف يشعر من هو على وَشَك المَوت تحت قطار، هل يَمَنحه القادم فرصة ابتسامة أخيرة؟ يَموت أولًا و يتمزّق أم يَتَمَزّق حيًّا فيموت؟
ربما كنت سأحبّ المَوت في هذا المَكان، لكن ليس في هذا التَوقيت، تَعرفين هذه اللحظات التي تبدو مُكتَملة تمامًا فتُفاجئك، وكأَن الحياة لا يُمكن لها أن تَغدو أفضل، رغم أنكِ تُفكّرين في بداية انحدار مُنحنى الفَرح-فلابد له أن ينحدر- تَنجَحين في التركيز على هذه اللحظة الممتلئة.
لَم تكن ساعة الجسر ساعة امتلاء، كانت انحدارًا على انحدار سابق، ربما لهذا-فقط-لَم أعبُر أمام القطار.

انتهت الرسالة، و مَعذرة على الكآبة!

ملحوظة: الصّورة ضمن الصوّر التي التقطناها معًا.

رنا

4 سبتمبر 2011

No comments: