في نهاية التسعينات، اعتدت أن أستلقي على فراشي وبيدي كتاب بينما تتسلل شمس العصر من النافذة في جو صيفي محبب، لم يكن أحد يسألني عما أقرأ سوى ماما التي كانت تقلق من وجودي بالحجرة فترات طويلة. كانت حجرتي هي المكان الوحيد الذي يحتوي قراءاتي، وحين أخرج منها لا أجد شيئًا يشير إلى خارقية ما أفعل بداخلها لا في التلفزيون ولا المدرسة ولا حتى في إطار الأسرة.
الطريقة الوحيدة لتواصلي مع ما أقرأ كانت أن أسرد أفكاري في رسائل أحتفظ بها في أدراجي ولا أرسلها للمؤلف أبدًا اقتناعًا بأن ما أفكر فيه ليس من الأهمية بحيث يشغل تفكير شخص آخر، كما لابد أنه يفكر في نفس الأشياء!وبالتدريج تبدل أبطالي وتنوعوا، غيروا الأبيض والأسود في نظرتي إلى طيف عريض من تداخل الرماديات لأنهم قد أصبحوا (كبارًا). لكن مازال ما أفعل عاديًا بالنسبة لي ولا يستحق الضوضاء.
الطريقة الوحيدة لتواصلي مع ما أقرأ كانت أن أسرد أفكاري في رسائل أحتفظ بها في أدراجي ولا أرسلها للمؤلف أبدًا اقتناعًا بأن ما أفكر فيه ليس من الأهمية بحيث يشغل تفكير شخص آخر، كما لابد أنه يفكر في نفس الأشياء!وبالتدريج تبدل أبطالي وتنوعوا، غيروا الأبيض والأسود في نظرتي إلى طيف عريض من تداخل الرماديات لأنهم قد أصبحوا (كبارًا). لكن مازال ما أفعل عاديًا بالنسبة لي ولا يستحق الضوضاء.
سنة 2004 كنت قد أصبحت كبيرة كفاية لأستكشف اهتماماتي على النت، فانضممت لمنتدى روايات، بدا لي مكانًا هادئًا به مجموعة من الأشخاص تشبهني، يتناقشون فيما يقرأون وفي أغلب الأحيان كنت أتابع فحسب دول المشاركة، غلُب عليّ إحساس أنني لم أصبح بعد مثقفة بما يكفي كي أناقش مثلهم.
حتى هذا الوقت لم تكن القراءة نشاطًا (شعبيًا) أقابل من يمارسه في أي مكان. بل كانت أشبه بشيء مميز يخص صاحبه ولا يستحق الإعلان عنه بمناسبة ودون مناسبة، وعندما بدأت الكتابة (على قد سني) كنت أنشرها على روايات أو أنثرها في كشاكيلي.
فجأة انفتح باب التدوين فأصبح كل شيء مباحًا: الكتابة والقراءة والمشاركة والسباب كذلك، أحيانًا كنت أجد أفكاري مكتوبة ببراعة آخرين وفي أحيان أخرى كنت أجد لغوًا وصديدًا يصيبني بالغيظ، ثم ظهر الفيس بوك فبدلًا من أن أستطلع أنا المكتوب أصبح يأتيني حتى (بروفايلي)محملًا بكل شيء ممكن، بالتدريج أصبحت الكتابة حق للجميع، فانزوى الموهوبون في ركن وأصبحت القراءة والكتابة (موضة). يستقبل بروفايلي على الفيس بوك كل يوم عشرات الرسائل عن صدور كتب جديدة وإشعارات عن قصة أو قصيدة كتبت حديثًا. كل هذه الضوضاء بشكل خفي تستدرج الثناء على هذا العمل أو ذاك، تضعني في موقف القارئة المستقبلة التي عليها تغليف نقدها بأكبر قدر ممكن من اللطف كي لا أبدو كالغراب المحبِط أو أخسر هذا الشخص أو ذاك، وهي مهمة أصعب من القراءة بكثير، أكسبني هذا صفة خانقة لي وهي أنني أحيانًا أصبح لطيفة أكثر من اللازم فلا أكون حازمة بما يكفي كي يعرف الشخص أن عمله لم يعجبني.
مؤخرًا مررت بمواقف في فترة قصيرة جعلتني أدرك أن اللطف فخ أوقعت نفسي فيه حين توقع الكثيرون أنه سيمنعني من إبداء رأيي بصراحة. أحد الكُتّاب الذي لايزيد سنه عن سني كثيرًا مطبوع له مجموعة قصصية-مشيها مجموعة مجازًا- يعيبها الأخطاء اللغوية بشكل لا يحتمل رغم أن جمله قوية وكتابته جميلة. حين عبرت عن ذلك تعليقًا على نوت كتبتها صديق مشترك، يبدو أن الكاتب (اتقمص) رغم أنني أخبرته شخصيًا برأيي من قبل. وأصبح الموضوع مباراة على الفيس بوك لإلقاء اللوم بين الناشر والكاتب والمصحح اللغوي، الملابسات التي تجعل كتابًا يخرج بشكل لا يحترم قراءه لا تعنيني، ما يعنيني هو أن هناك كتابًا تجرأ على الكتابة التي لا يجب أن يقف لها-في رأيي- إلا أشخاص يعرفون قيمة الفكر.
في نفس الفترة اصطدمت بشخص يعلن بمناسبة وبدون مناسبة أنه يكره المثقفين وتجمعاتهم، لكن ذلك لا يمنعه على مايبدو من أن (يجري) بكل قصيدة يكتبها كي يستطلع آراؤهم فيها، ثم يعود من جديد ليؤكد أنه يكره المثقفين ولا يعتبر نفسه شاعرًا! لا أعرف من هو المثقف في نظره بالضبط؟ هل هو الشخص الذي يبدي رأيًا في كل شيء نقلًا عن مقولات قرأها ويملأ الدنيا بضوضائه، أم هو شخص (يعالج) ما يقرأ كي يخرج رأيًا خاص به ولا يخاف من قوله: لا أعرف؟
أصبحت ضوضاء اللغو تمُر برأسي رغمًا عني، وأكلت كل مكان هادئ كنت أحبه، أجدها في كلمات تتظاهر بالعمق على تفاهتها، وفي تصنع الفكر بالمصطلحات المعقدة، وفي جرأة على العربية بفظاظة. أصابتني الضوضاء بالصمم ثم الصمت، لقد قالوا كل شيء وفتكوا بكل شيء، ولم يعد من فضيلة سوى الصمت في حضرة المدسوسين على عقولنا.
* هذه تدوينة مكتوبة بأقل قدر ممكن من الانفعال، لأن غيظي قد يجعلني أقول كلامًا غير مسؤول!
4 comments:
ابقِ في أكوانك ولا داعي لأن تلقي بالاً للضوضاءِ خارجها
أحب عالمك كثيراً ولم أجد فرصة سابقة لأخبرك بذلك ، ولكن الآن بجدر القول على الأقل أنك من هؤلاء الذين يحق لهم الجرأة على الكتابة
:) لا أكاد اشارك في الكثير من النوتات التي اكون فيها ، لسبب واحد بسيط : الناس على الفيسبوك محسستني اني جاهلة فعلا وانا نوعا ما لا افقه الا بالادب وهم يتناقشون في كل شيء
عموما بعيدا عن كونهم شلة من المثقفين فعلا -من حسن حظي - هناك من يغيظني حين يطلب رأيي في قصيدة لا معنى لها على اعتبار اني ادرس العربية
أتفهم كل ما قلته تماما لكن اقترح ان تستفيدي من هذا الوضع الى اقصى حد :) هناك من هو قارىء وكاتب جيد جدا بل ومتتاز وسط هؤلاء
تحياتي
بغض النظر عن ان في درافت تدوينه المفروض كنت اكتبها من كام يوم عن الصمت ودي تاني مرة:D
بس ببساطه انا بقيت لما بروح لمعرض الكتاب(المعرض لاني تقريبا مابقتش بشتري كتب غير في فترة المعرض ) مش بلتفت للكتب الجديده تقريبا
اغلبها كتابات ساخره
وهو بقى مصطلح عايم يضم اي واحد قرر انه يتريق على اي حاجه وكل حاجه
واغلبها زي ما انتي قلتي لناس قرروا يكتبوا وخلاص تماشيا مع الموضة
وضاع الحلو وسط الوحش
ميرسي يا أميمة :)
@alo2ah
هو بس ساعات منحنى الغلاسة بيعلى فبيغطي على الحاجات الحلوة:)
إيمان هانم
هي هي هي، مش لوحدك ^_^
Post a Comment