"لكن ميلو لمحَت فيليب وسط البخور والشموع الموقدة في الكنيسة اليونانية، فرأت الفتى- وكان من الصعب أن تسمّيه (رجلًا) بعد- أشبه بالملاك في سكونه وجماله. كان يجلس في الطرف الأقصى من الجانب البعيد-جانب أهل العريس، منعزلًا عما يدور حوله، فبدا مختلفًا عن صنف البشر: بدا كأيقونة من الأيقونات البيزنطية تضوي على الجدران: شاحب، رقيق الملامح، يعلو جبهته البيضاء شعر أسود لامع. أنفه صنعه مثال قدير، وفمه واسع، وشفتاه رقيقتان زاهدتان. لم تستطع ميلو تمييز لون عينيه. به صفاء وسكون، والضوء ينسل من رأسه إلى الكنيسة المعتمة. ووقعت ميلو في الأسر.
ولما لم يكن لها أم تقوم بما ينبغي في هذه الظروف، قامت ميلو نفسها بالسؤال عنه، وجزعت قليلًا حين عرفت أنه في السابعة عشرة، وأنه لا يزال تلميذا بمدرسة الفرير، لكنها خلقت فرصة للتعارف، فوجدت أنه أطول منها بعدة سنتيمترات، وأن عينيه رمادية خضراء، وأن صوته رخيم وأن لهجته الفرنسية أرقى من لهجتها، ولًغته العربية أضعف من لغتها، كما وجدت أن وجهه يًبقي على ضيائه حتى عن قرب. وخيّل لها أن هناك شيئًا غير عادي-شيئًا شبه إلهي- يكمن داخله. تاقت إلى الاقتراب، إلى لمس ذلك الوجه المضيء، بعظامه المحددة، تاقت إلى أن تستقر بأطراف أصابعها في ذلك المنحدر البسيط حيث تنتهي العينان بأهدابهما السوداء الناعمة. اكتشفت أنه ابن الخواجة يني بنايوتي البقّال. فهو جار أحد أصدقاء أبيها القدامى إسماعيل مرسي، الذي يملك مصنعًا للأثاث في العتبة الخضراء.
أحنى فيليب رأسه قليلًا، وكأنه يجزع أن تفوته كلمة واحدة من كلماتها، ابتسم، وقالت عيناه أن شيئًا رائعًا قد حدث. وميلو مأخوذة من نفسها: لم تشعر أبدًا بمثل هذا الضعف الفيّاض، هذه الطاقة المتّقدة، هذا التواصل المباشر الذي لا يحتاج إلى كلمات."
من قصة (شي ميلو)
مجموعة (زينة الحياة)
أهداف سويف.