قصيدة عجبتني، حبيت أشارككم بيها:
الجَلْطة
إلى أبي
مجرّد نوم
يزمُّ شفتيه على غضبٍ
لم يعُد يذكر سببَه
ينامُ عميقاً
الكفّان تسندان الرأس
فيُشبه جنود الأمن المركزيّ،
في عربات آخر الليل
حين يغمضون الأعينَ على رُكامٍ من الصُّوَر
تاركينَ الروحَ للدورانِ المنتظِم
ليصيروا ملائكةً فجأة.
رسمُ القلب
كان يجب أن أصيرَ طبيبة
لأُتابع رسمَ القلبِ بعينيّ
وأؤكدَ ان الجَلْطة مجردُ سحابة،
ستنفكُّ إلى دموع عادية،
إذا توفر قليلٌ من الدفء
لكني لستُ نافعةً لأحد
والأبُ العاجز عن النوم خارجَ سريره الشخصيّ
ينامُ عميقاً، فوق طاولةٍ
في بهوٍ واسع.
صراخ
نساءٌ صامتات
مَلأن الطُّرقةَ التي تؤدّي إليك
وجهّزْن الأجسادَ لطقسٍ
سيزيح الصدأَ المتراكمَ فوق حناجرَ
لا تُجرِّب نفسها
إلا في الصراخ الجماعيّ.
هذا جيّدٌ
أكتافُ المتطوعين
حملتْ رجلاً من السرير المجاور
إلى المقابر العمومية.
هذا جيّدٌ لأجلِك
لا يُمكن أن يكرّر الموتُ فِعلتَه
في نفس الغرفة، في مساءٍ واحد.
بورتريه
لم يكن قلبُه المرهونُ بخطوتي كافياً
سوى لتذكره كرائحةٍٍٍ حميمةٍ وعطنة،
ربما كان يكره بناطيلي الصيفية
والشِّعرَ الخالي من الموسيقى
ولكني ضبطته أكثرَ من مرّة
يَدوخ في ضجّة أصدقائي
وينتشي من الدخان
الذي يتركونه خلفهم.
تشابُه
من أجل أن أشتري "الشَّعرَ المُترجم"
أقنعني هذا النائمُ عميقاً
أن خاتمَ زواجه يُحدِثُ ضغطاً على بِنصرهِ
وظلَّ مبتسماً ونحن نغادِر حيّ الصاغة،
بينما أنا أخبره برفضي للتشابه
بين أنفِه وأنفي.
أتلقَّى موتَك
سأتلقَّى موتَك
على أنه آخر ما فعلتَه ضدّي
ولن أشعرَ بالراحة كما كنتُ أظن،
وسأصدّق تماماً
أنكَ حرمتَني فرصةَ كشْفِ الأورام
التي تنامت بيننا
وفي الصباح
قد أُفاجأ بتورُّم جفوني
وبأن التقوّس في ظهري
قد ازداد حدّة.
بيت المرايا
سنذهب معاً إلى مدينة الملاهي
وندخلُ بيتَ المرايا
لترى نفسَكَ أطولَ من نخلة أبيك
وتراني بجانبك قصيرةً ومحدَّبة.
سنضحك كثيراً بلا شك
وستمتدُّ الرحمةُ بيننا
وسيعرف كُلٌّ منا،
أن الآخر يحمل فوق ظهرِه
طفولةً حُرِمت من الذهاب
إلى مدينة الملاهي.
زيارات
الميِّتةُ أُمي تزورني في الأحلام كثيراً
أحياناً تنظف لي أنفي ممّا تظنه تراباً مدرسياً،
وأحياناً تعقصُ شَعري،
بقسوة كفين مدرَّبتين على تضفيرِ طفلة،
دون أن تنتبه
للمقصَّات التي مارستْ سُلطَتها عليه
ولا لأطرافهِ المجزوزةِ في حدّة.
أنتَ أيضاً،
قد تُثبِّت الدنيا عند لحظة موتك،
وسيكون لديّ الوقتُ
لأُنبِّهك.
لمرّاتٍ عديدة
لمرّاتٍ عديدة
يدخلُ الطبيبُ إلى بيتنا فيقول:
تأخّرتم كثيراً.
من أجل هذا
أطمسُ التاريخَ الطبيّ لأحبابٍ
لا يُدفَنون حين يموتون
وأُقنعُ نوافذَ غرفتي
لحظةَ أُغلقها بإحكامٍ
أن لديّ حداداً يخُصُّني
حين تندلع موسيقى أفراحٍ مجاورة
فَقَدْتَ الحِكمة
أضمُّ شَعري للخلف
حتى أُشبهَ بنتاً أحببتَها من قديم،
ولأعوامٍ،
أغسلُ فمي من بيرة أصدقائي
قبل الرجوع للبيت،
كما أني لا أصف اللهَ في حضورِك.
ليس هناك ما يستحق غفرانَكَ إذن،
أنتَ طيّبٌ، ولكنكَ فقدْتَ الحكمة
حين جعلتَني أُصدّقُ أن الدنيا مثل مَدْرسة البنات
وأنني يجب أن أزيحَ رغباتي
لأظلَّ أَلْفَةَ الفصل.
في حياد
سأُفرِغُ يديَّ من الأكاذيبِ المسكِّنَة
وأحرقُ أمام عينيه
الصلصالَ الذي أُشكِّلهُ على مقاس أحلامه.
هو..
سيشير إلى الجانب الأيسر من صدرهِ
وأنا..
سأوميء برأسي في حياد المُمرِّضات
يجب أن يُصدِّق،
قبل أن تنتهي غيبوبةُ التاجيّ
أن رغبته في الموت
لن تُخفي تشققات الاُسرة
خانات
عادةً ما تكون النوافذُ رماديّة،
وجليلة في اتساعها،
بما يسمح للموجودين داخل الأَسِرَّة
بتأمُّل سير المرور،
وأحوالِ الطقس خارجَ المبنى.
عادةً ما يكون للأطبّاء أنوفٌ حادّةٌ،
ونظاراتٌ زجاجيّةٌ،
تثبت المسافة بينهم وبين الألم
عادةً ما يتركُ الأقاربُ
وروداً على مداخِل الحُجرات
طالبين الصفحَ من موتاهُم القادمين.
عادةً ما تمرُّ سيداتٌ على
مُربّعات البلاط بلا زينة،
ويقف أبناءٌ تحت مصابيح الكهرباء
مُحتضنينَ ملفَّات الأشعّة،
ومؤكدين أن تمرير القسوة مُمكنٌ
إذا تَوَفّر لآبائهم بعضُ الوقت.
عادةً كل شيء يتكرر
والخانات مملوءةٌ بأجسادٍ جديدة
كأن رئةً مثقوبةً تشفط أكسجينَ الدُنيا
تاركةً كلَّ هذه الصدور
لضيقِ التنفُّس.
قد لا يحدُث
قد لا يحدُث
أن آخذ أبي في آخر العام إلى البحر
لهذا
سأعلِّق في مقابل سريرِه
صورةَ مصطافين،
وشطوطاً ممتدّة لجهاتٍ لا أعلمها.
قد لا يحدُث أن يراها
لهذا
سأكتُم صوت تنفُّسي
وأنا أُبلِّل أطرافَ أصابِعه بمياهٍ مالحة،
وسأُصدِّق بعد سنواتٍ
أنني سمعتُهُ يقول:
"أشمُّ رائحةَ اليود"
نوفمبر
94
إيمان مرسال